الضحكة اللى من القلب سببها فرحة حقيقية

الضحكة اللى من القلب سببها فرحة حقيقية
محمد حسين بكر فى كتب كتابه

مقال نقدى عن المجموعة القصصية الثالثة للقاص محمد حسين بكر للناقد الشاب احمدحسن

محمد بكر
جدلية الميلاد والرحيل

كنت أود أن يكون محمد بكر بيننا الآن، محتفيًا بصدور كتابه الجديد "عبد الله المسكين له .. ولأحبابه" لكنها حكمة الأقدار؛ أن يأتي الاحتفال بالميلاد متزامنًا مع الذكرى الأولى للرحيل!
ولا أدري هل اختار بكر عنوان مجموعته القصصية أم هو من اختيار زوجته "سهى زكي" التي أشرفت على طباعتها، لكنني على أية حال لا أستطيع أن أغض الطرف عن المراوغة الأسلوبية التي تكمن في صيغة العلم «عبد الله المسكين» التي تنصرف للوهلة الأولى إلى شخص محدد يدعى "عبد الله"، ثم إذا بها تتحول إلى دلالة النكرة؛ على اعتبار أن جميعنا عبيد الله وجميعنا مساكين، لكننا عند قراءة القصة المعنونة بالعنوان ذاته سندرك أن دلالة الاسم تنصرف إلى شخصية "جمال الشامي " يقول: (أنا راجل بتاع ربنا ... وعارف إني مسكين، ناولت جيب سيالتي وخلعت جلبابي المهترئ للأيتام) ص64.
على أن هذه الشخصية الغريبة بطبيعتها التي تقف على الأعراف بين الوعي واللاوعي تكاد تكون أحد أقنعة بكر القصصية، لاسيما أن المتن القصصي يتكئ على "ضمير المتكلم" في أغلب القصص، أو يستحضر علاقة الخطاب "الأنا / أنت" على طريقة التجريد القديمة كما في قصة "جبروت الصعلوك"، بل إننا نرى في بعض القصص التي توظف ضمير الغائب حضور القاص حضورًا سيميولوجيًّا بالإحالة إلى اسمه "بكر" أو "ابن حسين" كما في قصص (من أوراق الوراق) و(المحروم من الورد) و (التكرار لا يفيد الشطار) مما يختزل المسافة بين الأنا الساردة والأنا الواقعية المتبدية في الإحالة إلى الوقائع الحقيقية بشخوصها المعروفين في نطاق الزواج والأسرة والأصدقاء أكثر من الإحالة إلى علاقات سردية متخيلة.
وقد هيأ حضور الأنا الساردة بشخصها وعيانها وعلائقها الاجتماعية للمجموعة القصصية أن تقترب من روح الشعر في كثير من القصص؛ حيث حميمية البوح وتكثيف السرد ودفؤه، فضلًا عن استعارة كثير من تقنيات الشعر وأبرزها الأداء بالصورة، كما في (آخر يوم في حياة فان جوخ) حيث اللعب على شاعرية الألوان وتحويل اللون من دلالته الأولى المتعارف عليها إلى دلالات أخرى تعبر عن تنامي الموقف السردي من ناحية، وتجيد رسم شخصية فان جوخ من ناحية أخرى، وكذلك اللعب على تقنية المفارقة في كثير من القصص؛ حيث نرى السارد في مقطع (هروب) ص16 يرصد المفارقة بين عالمين متناقضين في شبرا يفصلهما فقط نهر النيل، معيدًا تأويل عبارة فيلم صلاح الدين "اللعنة على الأبراج" لتتحرك من دائرة الصراع العسكري إلى دائرة الصراع الطبقي ص17.
بالإضافة إلى الاتكاء على منطق (التدويم العاطفي) كما في قصة (إنها أمي) إذ يبدأ السارد من لحظة داخلية تؤكد علاقة الحب بينه وبين أمه، وتنطلق من الداخل إلى الخارج في حراك من المركز إلى أطراف الدائرة وهكذا، مما يجعل القصة أقرب إلى روح الشعر التي كثيرًا ما تتواشج مع نمط السرد المنتمي إلى فضاء السيرة الذاتية، الأمر الذي يجعل المتن القصصي –في تصوري الشخصي- معادلًا رمزيًّا حميمًا لحياة محمد بكر القصيرة التي تبدأ بلحظة الميلاد مع القصة الأولى (هيء هيء .. ها ها) حيث تتجلى صراعات الأنا الساردة المؤرقة والمؤرقة –بكسر الراء وفتحها- منذ ارتدائها قناع الوليد الذي نزل إلى الدنيا ضاحكًا ساخرًا على غير عادة الأطفال، ونتتهي بتحوله إلى شبح يمارس الترحال والتأمل ويعجز عن الفعل، كما في قصة (سيدي الجليل .. الحزن) في تكريس لحساسية البطل الضد التي يشي بها عنوان المجموعة القصصية أولًا، وطبيعة شخوصها ثانيًا، والعوالم الهامشية التي يتحركون فيها ثالثًا.
رحم الله الصديق والإنسان محمد بكر

أحمد حسن