الضحكة اللى من القلب سببها فرحة حقيقية

الضحكة اللى من القلب سببها فرحة حقيقية
محمد حسين بكر فى كتب كتابه

سُهى!؟!

تعلقت البنت الصغيرة بكم قميصى.. انتابتها حالة من البكاء منذ ليال ثلاث
عندما جذبت "سهى" طرف الحديث المسائى المعتاد من خيطه الروتينى..
قالت "أول مرة أراها على هذه الحالة"...
لم نر الوطن إلا عبر الفضائية المصرية منذ خمس سنوات نتابع مبارايات كرة القدم
ونبحث عن أخى وسط جماهير "الأهلى" لقد وعدنى أن يذهب للمباراة
ويحمل لافتة يهنئنا فيها بخطة الأنيق بالمولودة الجديدة..
اكتفت "سهى" بإعداد لبن الرضعة للبنت التى اعتقدت إن الجوع سبب بكائها
من المطبخ علا صوتها.. هل ذهبت للشيخ هذا الصباح
سالم مجرد كفيل بجدة.. أخبرته برغبتى فى العودة عندما سأل عن السبب
أجبته لأرى أمى.. والأصدقاء.. والبلد.. لوى حنكه..
وهو يعدل غطرته فوق جيبنه.. لن تأخذ نقودك كاملة يا "مصرى"
كدت أنسى إسمى الذى تنادينى به أمى "إبراهيم" أنا هنا..
فقط "مصرى" – بلد.. صار لك بلد الآن؟..
جئت عارياً.. إدخرت وأرسلت لزوجتك لتأتى..
فوت علىّ غداً يا "فوال"... لأعطيك الباسبور خاصتك؟!
- هيه.. أم أم.. ملاعين مناكيد.. هنا عبيد وفى بلادهم أسياد لم أرد عليه..
لقد حاول استفزازى ليأكل "الريالات" تحويشة العُمر
تذكرت غضبة حسين التونسى معه.. قبل ستة أشهر..
عقب استفزازه له.. خبط بقوة فوق مكتبه..
تأفف ساخطاً.. إنتم أطهر أرض و... ناس.. فاهم!!
لم يعطه "الباسبور" تركه بدون إقامة وأبلغ عنه السلطات
ولا أدرى هل عاد لبلاده أم لا... إلا أنه حذرنى..
من الثورة والغضب أمام القرد السالم.. إنه شاب أحمق يعبث بنا..
غلطان أنا وغلطان أنت بالتأكيد..
كان علينا أن لا نغادر ديارنا التهم الشيخ "سالم" 25 ألف ريال"..
لم تمتعض "سهى" وحاولت أن تهدئ من بكاء البنت..
غسلت الملابس لتنشدها وظلت البنت تبكى..
بدون سبب واضح.. أخبرتها بإن التذاكر.. معى..
منذ خمسة أيام كنت أعرف إنه سيماطل فى الحق..
وكنت على أية حال قد قدرت الرحيل .
- أمىّّ
- لا تقلق هى بخير
- أخى
- لا تقلق هو بخير
- والبنت!!
- لا أعرف لماذا تبكى
-2-
إبراهيم محمد؟!!
عندما تعلقت "نُهى" بكم قميصه.. ونحن نغادر الميناء "بضبا" وبكت فجأة
شعرت بإننى لن أراه مرة ثانية.. قال سأبقى أيام ثلاثة وألحق بكما
- "الشيخ سالم" مازال يماطلنى.. لن أعود "يد للوراء ويد للخلف ولقدام"
- لا تشغل بالك علينا يا "إبراهيم" شعرت بطعم اليود فى فمى..
البرد الشديد وحزن الطفلة غير المبرر.. جعلنى أود أن أبقى معه
ولا أتركه كنت أريده.. نعم.. أترك المال وتلك الأرض وتعالى إلى دارنا..
البحر وبعده نصل شاطئ الأمان.. إلا أن لُئم الشيخ جعلنى أتراجع
ذقنه الغائبة منذ ثلاثة أيام.. وهيئته الحزينة وذكرياته
المفاجئة عن زميله "التونسى" الذى اختفى فجأة.
- لا أدرى هل أبتلعه الربع الخالى.. أم غرق فى البحر.
علقت فى ذهنى.. كلمة "غرق" إلا أن بكاء الطفلة جعلنى أسهو عما أنا فيه
صعدت "العبارة" وجوه من الوطن.. الذى يفصلنا عنه البحر وكأنها لم تغادر ديارها..
شهوة الرغبة فى الوصول جعلت البنت تبكى وهى ترتعش..
ربما البرد..
ابتعدت العبارة عن الميناء وبقى الضوء و"إبراهيم" هناك على الشاطئ..
متى يعود للوطن.. وينادونه "بإبراهيم" بدلاً من "فوال" "مشى مشى يا مصرى"!!
-3-
لم أجد غير حبل.. كوريد يربط ابنتى الصغيرة فى يدى..
لففت الحبل حول خصرى.. البنت ماتت.. وغرق الجميع..
"إبراهيم" لما تركتنى ما بين الأمواج..
والسماء بعيدة عن الأهل والديار.. كانت الأمواج تعلو وأنا أحاول الطفو..بالصغيرة.
جثة..
الملوحة تدمى شفتاى ونامت نومتها الأبدية على "فرش البحر الربانى"
"إبراااهييم" رأيته.. نعم رأيته.. وهو يخبط فوق مكتب الشيخ اللئيم..
- مالى.. ومال أمى وزوجتى وعيالى.. شقاى.. عرقى
- أنت كلب.. وأمك كلبة وعيالك وزوجتك كلاب.
- أريد عرق السنين.
كان الموج يعلو.. ويعلو كعرق يوم القيامة.. انفلت الحبل من حول حضرى
لطمت الأمواج وجهى.. أغشت عينى ملوحة البحر.. ذهبت الصغيرة..
- سأنادى الشرطة لك يا كلب
- أفعل ما يحلو لك.
أموت.. إبراهيم.. ضاع كل شئ..
جاءت سيارة الشرطة لتأخذه من مكتب الشيخ سليم..
ظل الكفيل يُعدل من غطرته وهو يدخن سيجارته..
كلب بن كلب..
ووجدتنى أغوص.. أغوص..
إلى العمق الانهائى